فصل: من الدلالات العلمية للآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بحث علمي وأخلاقي:

قال في الميزان:
أكثر الأمم الماضية قصة في القرآن أمة بني إسرائيل، وأكثر الأنبياء ذكرا فيه موسى بن عمران عليه السلام، فقد ذكر اسمه في القرآن، في مائة وستة وثلاثين موضعا ضعف ما ذكر إبراهيم عليه السلام الذي هو أكثر الأنبياء ذكرا بعد موسى، فقد ذكر في تسعة وستين موضعا على ما قيل فيهما، والوجه الظاهر فيه أن الإسلام هو الدين الحنيف المبني على التوحيد الذي أسس أساسه إبراهيم عليه السلام وأتمه الله سبحانه وأكمله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل} الحج- 78، وبنو إسرائيل أكثر الأمم لجاجا وخصاما، وأبعدهم من الانقياد للحق، كما أنه كان كفار العرب الذين ابتلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الصفة، فقد آل الأمر إلى أن نزل فيهم: {إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} البقرة- 6.
ولا ترى رذيلة من رذائل بني إسرائيل في قسوتهم وجفوتهم مما ذكره القرآن إلا وهو موجود فيهم، وكيف كان فأنت إذا تأملت قصص بني إسرائيل المذكورة في القرآن، وأمعنت فيها، وما فيها من أسرار أخلاقهم وجدت أنهم كانوا قوما غائرين في المادة مكبين على ما يعطيه الحس من لذائذ الحياة الصورية، فقد كانت هذه الامة لا تؤمن بما وراء الحس، ولا تنقاد إلا إلى اللذة والكمال المادي وهم اليوم كذلك.
وهذا الشأن هو الذي صير عقلهم وإرادتهم تحت انقياد الحس والمادة، لا يعقلون إلا ما يجوزانه، ولا يريدون إلا ما يرخصان لهم ذلك فانقياد الحس يوجب لهم أن لا يقبلوا قولا إلا إذا دل عليه الحس، وإن كان حقا وانقياد المادة اقتضى فيهم أن يقبلوا كل ما يريده أو يستحسنه لهم كبراؤهم ممن أوتي جمال المادة، وزخرف الحياة وإن لم يكن حقا، فأنتج ذلك فيهم التناقض قولا وفعلا، فهم يذمون كل اتباع باسم أنه تقليد وإن كان مما ينبغي إذا كان بعيدا من حسهم، ويمدحون كل اتباع باسم أنه حظالحياة، وان كان مما لا ينبغي إذا كان ملائما لهوساتهم المادية، وقد ساعدهم على ذلك وأعانهم على مكثهم الممتد وقطونهم الطويل بمصر تحت إستذلال المصريين، واسترقاقهم، وتعذيبهم، يسومونهم سوء العذاب ويذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وفي ذلك بلاء من ربهم عظيم.
وبالجملة فكانوا لذلك صعبة الانقياد لما يأمرهم به أنبيائهم، والربانيون من علمائهم مما فيه صلاح معاشهم ومعادهم تذكر في ذلك مواقفهم مع موسى وغيره وسريعة اللحوق إلى ما يدعوهم المغرضون والمستكبرون منهم.
وقد ابتليت الحقيقة والحق اليوم بمثل هذه البلية بالمدنية المادية التي أتحفها إليها عالم الغرب، فهي مبنية القاعدة على الحس والمادة فلا يقبل دليل فيما بعد عن الحس ولا يسأل عن دليل فيما تضمن لذة مادية حسية، فأوجب ذلك إبطال الغريزة الإنسانية في أحكامها وارتحال المعارف العالية والأخلاق الفاضلة من بيننا فصار يهدد الإنسانية بالانهدام، وجامعة البشر بأشد الفساد وليعلمن نبأه بعد حين.
واستيفاء البحث في الأخلاق ينتج خلاف ذلك، فما كل دليل بمطلوب، وما كل تقليد بمذموم، بيان ذلك: أن النوع الإنساني بما أنه إنسان إنما يسير إلى كماله الحيوي بأفعاله الإرادية المتوقفة على الفكر والإرادة منه مستحيلة التحقق إلا عن فكر، فالفكر هو الاساس الوحيد الذي يبتني عليه الكمال الوجودي الضروري فلابد للإنسان من تصديقات عملية أو نظرية يرتبط بها كماله الوجودي ارتباطا بلا واسطة أو بواسطة، وهي القضايا التي نعلل بها أفعالنا الفرديه أو الاجتماعية أو نحضرها في أذهاننا، ثم نحصلها في الخارج بأفعالنا هذا.
ثم إن في غريزة الإنسان أن يبحث عن علل ما يجده من الحوادث، أو يهاجم إلى ذهنه من المعلومات، فلا يصدر عنه فعل يريد به إيجاد ما حضر في ذهنه في الخارج إلا إذا حضر في ذهنه علته الموجبة، ولا يقبل تصديقا نظريا إلا إذا اتكئ على التصديق بعلته بنحو، وهذا شأن الإنسان لا يتخطاه البته، ولو عثرنا في موارد على ما يلوح منه خلاف ذلك فبالتأمل والإمعان تنحل الشبهة، ويظهر البحث عن العلة، والركون والطمأنينة إليها فطري، والفطرة لا تختلف ولا يتخلف فعلها، وهذا يؤدي الإنسان إلى ما فوق طاقته من العمل الفكري والفعل المتفرع عليه لسعة الاحتياج الطبيعي، بحيث لا يقدر الإنسان الواحد إلى رفعه معتمدا على نفسه ومتكئا إلى قوة طبيعتة الشخصية فاحتالت الفطرة إلى بعثه نحو الاجتماع وهو المدينة والحضارة ووزعت أبواب الحاجة الحيوية بين أفراد الاجتماع، ووكل بكل باب من أبوابها طائفة كأعضاء الحيوان في تكاليفها المختلفة المجتمعة فائدتها وعائدتها في نفسه، ولا تزال الحوائج الإنسانية تزداد كمية واتساعا وتنشعب الفنون والصناعات والعلوم، ويتربى عند ذلك الاخصائيون من العلماء والصناع، فكثير من العلوم والصناعات كانت علما أو صنعة واحدة يقوم بأمرها الواحد من الناس، واليوم نرى كل باب من أبوابه علما أو علوما أو صنعة أو صنائع، كالطب المعدود قديما فنا واحدا من فروع الطبيعيات وهو اليوم فنون لا يقوم الواحد من العلماء الاخصائيين بأزيد من أمر فن واحد منها.
وهذا يدعو الإنسان بالالهام الفطري، أن يستقل بما يخصه من الشغل الإنساني في البحث عن علته ويتبع في غيره من يعتمد على خبرته ومهارته.
فبناء العقلاء من أفراد الاجتماع على الرجوع إلى أهل الخبرة وحقيقة هذا الاتباع، والتقليد المصطلح والركون إلى الدليل الاجمالي فيما ليس في وسع الإنسان أن ينال دليل تفاصيله كما أنه مفطور على الاستقلال بالبحث عن دليله التفصيلي فيما يسعة أن ينال تفصيل علته ودليله، وملاك الأمر كله أن الإنسان لا يركن إلى غير العلم، فمن الواجب عند الفطرة الاجتهاد، وهو الاستقلال في البحث عن العلة فيما يسعه ذلك والتقليد وهو الاتباع ورجوع الجاهل إلى العالم فيما لا يسعه ذلك، ولما استحال أن يوجد فرد من هذا النوع الإنساني مستقلا بنفسه قائما بجميع شئون الأصل الذي يتكي عليه الحياة استحال أن يوجد فرد من الإنسان من غير اتباع وتقليد، ومن ادعى خلاف ذلك أو ظن من نفسه أنه غير مقلد في حياته فقد سفه نفسه.
نعم: التقليد فيما للإنسان أن ينال علته وسببه كالاجتهاد فيما ليس له الورود عليه والنيل منه، من الرذائل التي هي من مهلكات الاجتماع، ومفنيات المدنية الفاضلة ولا يجوز الاتباع المحض إلا في الله سبحانه لأنه السبب الذي إليه تنتهي الأسباب. اهـ.

.من الإعجاز العلمى في الآية الكريمة:

للدكتور زغلول النجار.
قال حفظه الله:
الآية الرابعة والسبعون، وقبل البدء في ذلك لابد من استعراض سريع لآراء عدد من المفسرين في شرح دلالتها.

.من أقوال المفسرين:

في تفسير قوله تعالى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة: 74].
ذكر ابن كثير رحمه الله ما نصه: يقول تعالي توبيخا لبني إسرائيل وتقريعا لهم علي ما شاهدوه من آيات الله وإحيائه الموتي: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} كله فهي كالحجارة التي لا تلين أبدا، ولهذا نهي الله المؤمنين عن مثل حالهم، فقال: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}.
فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة، بعدما شاهدوه من الآيات والمعجزات، فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها، أو أشد قسوة من الحجارة، فإن من الحجارة ما يتفجر منها العيون بالأنهار الجارية، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء، وإن لم يكن جاريا، ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله وفيه إدراك لذلك بحسبه، كما قال تعالي: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا}. والمعني: وإن من الحجارة لألين من قلوبكم لما تدعون إليه من الحق.. وأضاف ابن كثير أن أو هاهنا بمعني الواو وتقديره: فهي كالحجارة وأشد قسوة، وقد تكون بمعني بل فيصير تقديره: فهي كالحجارة بل أشد قسوة.
وذكر أعداد من المفسرين من القدامي والمعاصرين كلاما مشابها لا أري داعيا لتكراره هنا.
ومن الألفاظ التي تحتاج إلي شرح في الآية الكريمة الفعل {يتفجر}، والفجر هو شق الشيء شقا واسعا، يقال: فجرته فانفجر، وفجرته فتفجر؛ ومنه قيل للصبح فجر لكونه فجر الليل، والفجور شق ستر الديانة، يقال: فجر فجورا أي فسق فسوقا فهو فاجر أي فاسق، وجمعه فجار وفجرة أي فساق وفسقة، ويقال: فجر الماء فانفجر أي بجسه فانبجس؛ وانفجر الماء وتفجر بمعني اندفع بقوة من تحت سطح الأرض فظهر وسال علي سطحها.

.من الدلالات العلمية للآية الكريمة:

.أولا: كشف دخائل النفس اليهودية المريضة:

جاءت هذه الآية الكريمة في سياق الخطاب الإلهي إلي العصاة من بني إسرائيل، وقد قست قلوبهم أمام كل صور الهداية الربانية التي أنزلت إليهم فرفضوها، وكل النعم التي أفاء الله تعالى بها عليهم فكفروا بها، ولم يشكروها، وكل الآيات والمعجزات المبهرة التي شاهدوها وجحدتها نفوسهم المريضة، ولم تتحرك بها قلوبهم القاسية التي تصفها الآية الكريمة بأنها كالحجارة أو أشد قسوة، وتضيف: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله}.
ومن قبل رأي العصاة من بني إسرائيل كيف ضرب نبي الله موسى الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وكيف اندك الجبل لما تجلي الله تعالى عليه، وخر موسى عليه السلام صعقا، ولم تلن قلوبهم لذلك لأنها قلوب كافرة، قاسية، جاحدة، ولذلك جاء ختام الآية الكريمة بهذا التهديد والوعيد الإلهي: {وما الله بغافل عما تعملون}.
ويهود اليوم ألعن من يهود بني إسرائيل بملايين المرات. والآية تنطبق عليهم كما انطبقت علي العصاة من بني إسرائيل سواء بسواء...!!
ومن ذلك يتضح أن اليهودية ليست دينا من الأديان، بقدر ما هي حالة مرضية تعتري الفطرة السوية فتخرجها عن إطارها الإنساني إلي دائرة الشياطين، فكما كفر شياطين بني إسرائيل علي عهد موسى عليه السلام فعبدوا العجل، وكفروا علي عهد أنبيائهم فقاتلوهم وقتلوهم، وتجرأوا على دين الله فحرفوه، وابتدعوا فيه، وكذبوا علي رب العالمين، وضللوا الملايين؛ ونقضوا كل العهود والمواثيق، وكتموا ما أنزل الله تعالى عليهم من كتاب، واشتروا به ثمنا قليلا، وتآمروا علي خيانة خلق الله، وإفسادهم، وإشاعة الفاحشة بينهم، من أجل ابتزازهم وسرقة أموالهم، وكفروا بالله علي عهد نبي الله عيسي ابن مريم عليهما السلام، فكذبوه، وطاردوه، وحرضوا عليه كفرة الرومان، وأساءوا إلي سمعته وحاولوا تلطيخ شرف أمه شرفها الله، كما حاولوا قتله وصلبه، وتشويه رسالته؛ وكفروا بالله علي عهد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم فنقضوا كل عهودهم معه، وتآمروا مع عبدة الأوثان ضده، وألبوا كل أهل الكفر عليه، وحاولوا سمه وقتله، كما حاولوا الدس على رسالته لولا أن الله تعالى قد تعهد بحفظها فحفظت.
والدليل علي أن اليهودية حالة من حالات الأمراض النفسية المستعصية أن متهودي اليوم وليسوا في غالبيتهم من سلالات بني إسرائيل لهم القلوب القاسية نفسها التي تفوق الحجارة قسوة، فاشتهروا بالكفر والشرك والفسوق والعصيان، والكذب والتحايل، واللجاجة، والمناورة، والالتواء، والتآمر، والدس، والخديعة، والخيانة، والغدر، والظلم، والإرهاب، ونقض العهود والمواثيق، والتزوير والتزييف، وأكل أموال الناس بالباطل، وخيانة الأمانات، والقسوة البالغة، والغلظة المتناهية إذا كان بيدهم شيء من القوة، والتظاهر بالاستكانة والذلة والضعف حتي يتمكنوا إذا كانوا أمام من هو أقوي منهم؛ ولذلك لعبوا دور شياطين الإنس عبر التاريخ في كل عصر وفي كل مصر؛ وأتقنوا التآمر في الظلام حتي ملكوا زمام العالم وأصبحوا يديرونه حسب أهدافهم الشريرة، ومطامعهم الكثيرة، ونفسياتهم المريضة، ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله العلي العظيم...!!
وليس أدل علي قسوة قلوب اليهود من جرائمهم التي ارتكبوها في حق كل الأمم التي احتضنتهم وآوتهم بدءا من دولة الخلافة الإسلامية التي أسقطوها، إلي الاتحاد السوفيتي الذي دمروه، إلي الولايات المتحدة ودول أوروبا الشرقية والغربية التي حطموا كل قيمة إنسانية وأخلاقية فيها، ويتعاظم إجرام متهودي اليوم علي أرض فلسطين، الدولة العربية الإسلامية لأكثر من أربعة عشر قرنا، والتي سرقها اليهود من أهلها، واغتصبوها من بين أيدي أبنائها بمؤامرة دولية حقيرة، وفجروا في معاملة المدنيين العزل، الذين يقاتلونهم اليوم بشراسة لم تعرف لها البشرية مثيلا في غلظتها وقسوتها، وتجبرها، واستعلائها، موظفين في ذلك أحدث الآلات العسكرية الأمريكية تطورا: من الطائرات، والدبابات، والمصفحات، والمدافع، والصواريخ، وغير ذلك من الأسلحة المحرمة دوليا وغير المحرمة التي تستخدم في كل يوم لهدم المنازل، والمدارس، والمستشفيات، والمساجد، وغيرها من دور العبادات، كما توظف في تجريف الأراضي الزراعية وحرق كل ما عليها من الأشجار والثمار والمحاصيل، وفي حصار المدن وتدمير جميع بنياتها الأساسية، والخدمات الواصلة إليها؛ والحيلولة دون إسعاف المصابين، وتركهم ينزفون حتي الموت، ومنع علاج الحوامل والمرضي المزمنين، وحرمانهم من الإسعافات الأولية، والعلاجات الضرورية لهم، وقتل الأطفال، والنساء، والشيوخ، والشبان، واعتقال من لا يقتلون منهم لتعذيبهم بوحشية بشعة في سجونهم ومعتقلاتهم وإن ينس المجتمع الدولي كل هذه الجرائم اللاإنسانية، واللاأخلاقية فلن ينسي اغتيال الطفل محمد الدرة بدم بارد وهو يحتمي بحضن أبيه الفزع المفجوع، ولن ينسي تجريد الأسري من ملابسهم، واقتيادهم إلي ساحات التعذيب معصوبي الأعين، ومقيدي الأيدي والأرجل كما فعل الأمريكان المتهودون من قبل...!!! ولن ينسي مذابح دير ياسين، وقبية، وصابرا وشاتيلا، وبحر البقر، وأبي زعبل، وبيروت، وجنين، وغيرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...!!!.